الخميس، 6 سبتمبر 2012

ذاكرة معطوبة وحواس خمس ..




-1-
ليلة إنتزعت الأمن من بين الضلوع حين فقدك أيها الصديق , أسعى إلى إيجادك , أيجاد صوتك , أو زجاجة عطرك تذكرت أنها إنكسرت في لحظة تذمري عليك ..

-2-
ضعني بين كفيك حين ترفعها إلى السماء , رددها مراراً " ربي يخليك لي " , وأهمسها سراً وجهراً , وأخبر جارك أنك أفرطت في حبي حد الثمل , أخبرهم لتشتعل غيرتهم ونحن إثنان في هناء ..

-3-
في الليل لا تتبعني ياصديق, لا تجاهد في حضوري إلى ذاكرتك, فـ إحدى حواسك تستطيع الوصول إلىَّ ببساطة , هذه الليلة إستخدم بصرك , شاهدني في كبد السماء خجولة ..

-4-
أمسكتُ هاتفي ستون دقيقة لأسمع عذب حديثك , لم أمتلك الجرأة بعد فقد أضعتك من يدي ليلة ونصف ليلة , وأطلقتُ تنهيدة تبلغ ليلتان بيوميهما ..

-5-
إستيقظتُ صباحاً قبل موعد إستيقاظي المعتاد , وضعت وردة ياصديق عند باب الغرفة المجاورة ومضيت حتى المساء في موعد صديق آخر ..

-6-
يا صديق هذه اللحظة الأخيرة , والدقيقة الأخيرة , والكلمة الأخيرة " ألهمني سعادة في الحاسة الخامسة وأنت غائب " ..

" أنا "

(1)
كنت أحدس ولا ريب أنه سيأتي اليوم الذي أفيق في صباحه مستنشقا رائحة الفقد .. رائحة البعد .. 
لكني لم أتصور أن هذا الرحيل سيكون فجائياً بهذه الدرجة ..
لم يكن رحيلك جميلاً أرفع فيه تلويحتي لك وأنت تخطين خطواتك الأخيرة عني .. مضيت دون أن أعلم .. دون أن ألوح بمنديل بكائي ..
وانتهى كل شيء سريعا كما بدأ !


(2)
وبعد أن مضت أيام .. كنت أظنني سأنسى فيها مرارة تلك اللحظة .. التي أفقت فيها على رحيلك .. لكن لم أنسى أبداً طريقة وضعك لحذاءك عند الباب .. كنت تصفين بطريقة مرتبة .. رحلت عني وأصبح كل شيء هنا عشوائي .. حتى أنا ومشاعري .. أصبحت عشوائية .. لا وقت معين للبكاء .. ولا وقت للنوم ..

(3)
مسكينة تلك الوردة , لم تعد تشرب من يديك ماؤها , مذ رحلت وهي تناضل للحياة , للإشراق , أعلم جيداً أنني مثلها , في ذبول بطئ , ولكني في مصطلح البشرية أموت وهي في مصطلح النبات تذبل .. فواأسفي .

(4)
كلما واريت الدموع أما أعين الناس , بكى قلبي , وتيمم ببكائه كل شراييني , ما أصعب البكاء بصمت , والأصعب أن أضحك ظاهراً وأبكي من الداخل , ككهف تزينه الشجار عند فوهته ومن داخله يعيش هيكل بشري , هو أنا ..

(5)
تميط الحياة عن لثامها ليس بالخير .. ولكن بالشر .. إنها كوجه وحش لا يرى إلا في ليلة دهماء .. تكشر عن أنيابها عندما ترى حبل القدر وصل حيث أنا .. لا أدري حقاً لم عليّ أن أمثل دور اللامبالي بكل شيء كي أعيش بسلام .. ولكني كل ليلة أحلم بوحش قبيح يخنقني حتى أقوم صارخاً لأكتشف أن رحيلك هو السبب .. ربما لأني لم أوفِ حقك من الحياة الجميلة ورحلت .. فعاقبني الله .

(6)
مرة سنة , لا أذكر بالضبط تاريخ رحيلك , لا يهمني أبداً , لأن غيابك حضور , ما زلت هنا في شالك السماوي المعلق على المشجب , ما زالت رائحتك عالقة به , بضع شعرات طويلة من رأسك انغرزت بي خيوطه , مسكين أنا لم يبقى لي إلا شال ووردة ذابلة , وحذاء في غير مكانه المعتاد , وأموت أكثر ..

" الصديق س "

-1-
خمسون مرة ؛ وخمس آُخر حاولت أن أكتب إليك بريد ؛ أنبأك أني في القرية المجاورة ولكن !
كلما كتبت حرف أجدني فجر الغد أنتقل للقرية التالية وأزداد بعداً ..

-2-
في أحدى القرى ألتقيت بكهل ؛ سألني بشكل مباغت: أين الجزء الآخر منك ؟! ؛ 
أجابته حاسة البصر أني مهاجرة دونك ؛ وأني ظللت الطريق ؛ أسير وحيدة دون رفيق ..

-3-
نسيت إخبارك ياصديق أن الشعرء إستطاعوا الحياة ؛ كتبوا قصيدة للعشاق من بعدي ؛ وأن قربي لا يسمن ولا بغني بالنسبة إليهم ..

-4-
إتخذت لي مقعداً في طاولة نائية ؛ أتاني النادل وسألني : ما تشربينه سيدتي ؟!
أجبته فوراً : كان يعشق مذاق .. هممم مذاق .. لا لا أن ذاكرتي معطوبة حقاً لاتعمل على تذكر مايحب ؛ إذاً أحضر لي كأس فارغ ..

-5-
المعضلة الكبرى ؛ أردت زيارة لأحدهم ؛ ووقعت في مأزق كيف أضع أقراطي ؟!
فأنا أعتدت منك حاسة " اللمس " تضعها لي متى أشاء ..

-6-
كل كف يصافحني ؛ أشعر بأنه يمحو كل ماتبقى من سلامنا الآخير الذي لا أذكر أي ساعة كانت ؟
أنني أفتقدك شيئاً فشيئا؛
ولا أعلمُ هل سأرعاك إن ألتقيتك فجأة ؟!

" أنا "


(1)
هجرت القرية بعدما كانت جنتي معك .. مذ رحلتِ وأنا أعود كل يوم لها .. أفتح بريدي الحديدي الذي ينتصب أمام منزلنا القديم .. فربما لم ينتبه بعد ساعي البريد أنني انتقلت لقرية أخرى وتغير عنواني .. ربما .. وربما أنني أصبت بداء الحنين .

(2)
يجلدني غيابك , وانسلخ كل دقيقة كما تنسلخ جبال الثلج من ثلجها الأبيض في رابعة النهار .. 
لم أستطع بعد النسيان , كلما خففت ذكراك عادت تتراكم الثلوج ليلاً .. كأنني لا أتذكر .. كأنني لا أنسى .. 

(3)
ما الحضور إلا كوليمة غني لفقير , تصيبه بالتخمة لأسابيع ثم بعدما يعود يتفاجئ أن باب الغني أغلق بقوة, هكذا أنتِ تحضرين جسداً وتغيبين جسداً وروحاً, وكأن حضورك وجبة الغني وكأني أنا الفقير الهالك بغيابك الأبدي ..

(4)
أحادية هذه الحياة معك , تتراءين بصورة واحده في الخيال , ولكني أراك إلا بصور عديدة , تظل ذاكرتي ترسم بسمتك المعتادة لكني أرسم كل يوم وجها لموناليزا هي أنتي .. 
حقاً ؛بخيلة هذه الحياة وكريمة يدي التي ترسمانك ..

(5)
يتماهي إلي أن عقالي الذي أتعب في وضه معتدلا منتصفا رأسي, يخيّل إليَّ أنه مائل وأنا أقف أمام مرآتي ومرآتك أتزين لحفلة .. 
آه نسيت, أن في يديك سر الرضا التي ما إن تلمسان عقالي حتى أؤمن بأنها جميلا وفي منتصف رأسي وأمضي مبتسما كل ليلة , ما عاد عقالي متوسطا رأسي ولا عدت أصلا أحضر الحفلات بعدك, فلا فرح بغيابك ولا حياة .

(6)
كقصيدة غير مكتملة تتنظر آخر اللمسات, يضيع الشاعر في ألمه كلما حانت نهايتها, وبعدما ينحني ويبكي منها, لا تعجبه فيمحيها كل مرة ويكتب قصيدة جديدة , هكذا أنا , وأنا أمشي بين البشر أراك وجها تخبئة عني أحابيل المطر , ظلال الأرصفة , وتداخلات الأغصان , وهمسات صبيتان , ومرح طفلة .. 
وأراك دون أن أراك , وأسمعك في هذا الضجيج كأنك هنا , كأنك هنا .. وآه ..

" الصديق س "
 
-1-
في وقت متأخر ياصديق متأخر جداً أصبح كل شئ غير صالح للحياة , فالأحلام تنقطع حين أريدها , وتناهيد الشوق التي أطلقها في سماء الحب وقعت في فخ الغياب , وما عرفت كيف الهروب من أرض الحنين ..

-2-
أحد المارة أعارني كتاباً , سقط بصري على إسمك ولم أقرأ غيره , جلست بجواري فتاة لا أعرفها قلت لها ناصحة : هذا الكتاب من أعظم ماسطره التاريخ أقرأيه الآن ..

-3-
كل فجر قلبي ينجبك , وأمضي الصباح بك رضيع , ثم صبي , ثم شاباً يافعاً , لم تمت ولم تكن كهلاً أبدا , ولا علم لي ما تصنعه في قبضة كفي , تتعدى أن تكون مجرد قابض لها ..

-4-
هذا الكون الغامض بأسره , يقذفنا لنحيث لا نعلم , نصاب بتوتر ونتعرق ونشتم , ننسى أننا وحيدون دون الحب , دون إحتواء , مصابون بفقد حاد , ولا أحد يقوى الإقتراب منا خشية أن تنتقل إليه عدوى الفقد , الكل نفسي وحبيبي واللهم سلم ..

-5-
الأحاديث بعد حديثك أصبحت مملة , رتيبة , تسير نحو منهج واحد , الكل يعتقد أني أصبت بالخرس , و واحداً فقط يقرأ على جبيني لعنة الغياب فيضمني , لكن المضحك أني أمتنع فأقول : أنت لست الصديق الذي أعتدت أن أطبع عليه أحمر الشفاة , فويبخني قائلاً : سائحة وتزمجر , قلت : صه أنت لا تعرف الحديث المهذب , أعتقني أن لا أراك مرة آخرى , 
أريت أنني أشقى في كل تسكع أقضيه , أشقى في عراك كل الذين يريدون البقاء مكانك ..

-6-
طيفك وذاكرتي إنهما يتعديان بسفالة على حرية حاسة بصري , قضيت غفوات مربكة , أخشى أن تجيء باحثاً أو أراك ضائع . ففي كل مساء تطفأ إنارة القرية , أشعل شمعة وأقول: قرع نعال أحدهم قادم لعله هو , لعله هو ..

"أنا "

 كواجب عليَّ أشكر الصديق "س" الذي لم ولن ألتقيه لكنه أربك كتابتي كثيراً وبشكل ممتع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق